طموحات عالية
في عصر يفيض بالمعلومات المتاحة والطموحات التي ترتفع إلى ارتفاعات مفرطة، حتى في التعليم، فقد الكثيرون الرؤية الحقيقية للهدف من تعلم أي شيء. هذا النقاش يتناول موضوع تعلم اللغات وأهدافه المقصودة.
أتذكر الإثارة التي شعرت بها عندما سمعت لأول مرة مصطلح “متعددي اللغات” وتعرفت على قدراتهم الاستثنائية في اكتساب اللغات في وقت قصير جدًا.
سرعان ما وقعت في فخ الوعود غير الواقعية: كيف تتعلم لغة في ستة أشهر؟ في ثلاثة أشهر؟ في شهر؟ في أسبوع؟ بل يدعي البعض إتقان لغة في يوم واحد - 24 ساعة!
هذه الادعاءات تتجاهل نقطتين حاسمتين:
١. خلفيتهم في اللغة الهدف: مثلاً، شخص لديه معرفة مسبقة باللاتينية أو الإيطالية سيجد تعلم الإسبانية أسهل بكثير. كذلك، السمات اللغوية المشتركة بين العربية والأردية تجعل العملية أقل صعوبة لمن يعرف إحداهما مقارنة بمبتدئ كلي.
٢. الهدف من تعلم اللغة: ما المستوى الذي يهدفون إليه؟ هل فقط لإجراء محادثات عابرة؟ أم للفوز بمسابقات التعلم السريع؟ أم لأهداف أعمق مثل قراءة الأدب، دراسة الدين والسياسة، الترجمة، أو البحث الأكاديمي؟
نحن كعرب مثلاً، قد نواجه صعوبة في فهم الشعر الجاهلي أو أعمال الجاحظ أو ابن خلدون فهمًا كاملاً، رغم اشتراكنا في اللغة. تحقيق هذا العمق من الفهم يتطلب سنوات من الدراسة والجهد.
النوايا
كمسلمين، لدينا ميزة النيات وطلب الأجر الإلهي التي قد تبارك جهودنا أو تبطلها. بالنية الصحيحة، قد نكسب أجرًا حتى على الهدف النهائي الذي نسعى له عبر تعلم اللغة، حتى لو حال الموت دون إكماله.
لذا من الضروري أن تكون صادقًا مع نفسك منذ البداية حول نواياك. تأمل في دافعك الحقيقي واستمر في سؤال “لماذا؟” حتى تصل لإجابة نهائية. لو كان الدافع -لا سمح الله- خبيثًا، فلن يبارك فيه.
حتى لو كان الهدف نبيلاً، فقد لا تكون الوسيلة مرضية لله. الاعتماد على طرق محرمة مثل مشاهدة عروض معينة أو تواصل محرم يضيع البركة. قد تتعلم اللغة ولكن لا تجد بركة في استخدامها.
أحلام اليقظة كمؤشرات
عندما تتخيل نفسك تتقن لغة، لاحظ الصور التي تتبادر لذهنك. هذه الأحلام قد تكشف دوافعك الحقيقية.
تأمل في السيناريو المتخيل:
- هل ترى نفسك تتباهى أمام الآخرين؟
- هل تحاول إثبات شيء لشخص معين؟
- هل تتخيل نفسك تدرس في مدرسة أو جامعة، مبهرًا الجمهور بتعدد لغاتك؟
- هل تتناقش مع شخص يهاجم دينك، مدافعًا عنه ببلاغة؟
- أم ربما تترجم العلوم الأجنبية للعربية لخدمة مجتمعك؟
كن صادقًا مع نفسك واسأل: “هل هذا الدافع الذي أريده حقًا؟ هل يستحق الجهد؟”
الحفاظ على المهارات اللغوية وتطويرها
تذكر دائمًا أن وقتك وطاقتك محدودان، وإيقاع الحياة لا يرحم. اللغات، ما لم تكن لغتك الأم أو تعيش بين متحدثيها، تحتاج لممارسة مستمرة للحفاظ عليها. دون ذلك، قد تتبخر كل جهودك.
شاهدت مرة فيديو لمتعدد لغات وصل للإرهاق من مسعاه اللغوي. عبر عن إحباطه وإرهاقه من ضغط الحفاظ على اللغات التي تعلمها. بدأت أسئلة مثل “لماذا أفعل كل هذا؟” تطفو على السطح. البعض يستثمر كثيرًا في تعلم لغات كثيرة دون استخلاص فائدة حقيقية. ركز على ما ينفع حقًا، واسأل الله العلم النافع.
الدافع للاستمرار
الحياة اختبار، والتعلم ليس دائمًا ممتعًا أو مسليًا. في الأوقات الصعبة، قد تحتاج للمضيّ رغم المشقة لمواصلة التعلم. هل تستطيع ذلك إذا كان هدفك من تعلم اللغة تافهًا؟
رأيت مقاطع يوتيوب لأهل غزة 🇵🇸 الذين، رغم معاناتهم الهائلة، يواصلون طلب العلم وتعلم اللغات بصبر من الله. (اللهم اكشف البلاء عن غزة 🇵🇸 والسودان 🇸🇩 ولبنان 🇸🇩.)
معادلة الاستمرار: استعانة بالله + نيات صادقة + هدف نبيل + جهد جاد = استمرار وتوفيق إلهي.
معظمنا، إن لم نكن جميعًا، نعرف قصة زيد بن ثابت رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم وأمره بتعلم لغة اليهود.
أسئلة قد تساعد في تحديد أهدافك في تعلم اللغة
١. هل فكرت أولاً في تحسين لغتك الأم - العربية - لفهم أعمق لكلام الله؟
٢. لماذا أريد تعلم هذه اللغة تحديدًا؟
٣. هل هو للترفيه أو التسلية؟
٤. لتدريب عقلي؟ لتحدي نفسي؟
٥. لتوسيع معرفتي واستكشاف ثقافات جديدة؟
٦. لأغراض أكاديمية أو أدبية؟
٧. للتغلب على عقدة نقص والتباهي؟ (بونجور vs. بونجوغ 😆)
٨. هل أتعلمها لشيء محرم؟ (كن صادقًا مع نفسك.)
٩. لوظيفة محددة؟ الترجمة مثلاً؟
١٠. للسفر أو السياحة أو الهجرة؟
١١. للدعوة؟ كيف سأستخدم اللغة لذلك؟
١٢. هل لدي تصور واضح لكيفية دمج هذه اللغة في حياتي أو عملي بعد إتقانها؟
١٣. ما الذي سيبقيني متحمسًا لمواصلة التعلم رغم تحديات الحياة؟
١٤. كيف سأتعامل مع فقدان الحماس أو الإحباط أثناء الرحلة؟
١٥. هل أتعلم اللغة كفرصة حقيقية لتحسين حياتي؟ أم أنا فقط أقلد الآخرين؟
١٦. هل لدي توقعات واقعية عن الوقت والجهد المطلوبين لإتقان اللغة؟
١٧. إذا فشلت في إتقان اللغة، كيف سأتعامل؟ ما هي الخطة البديلة؟ هل هدفي يستحق المحاولة مرة أخرى؟