مُذَكِّرَاتُ الفَوْضَى وَالإِبْدَاعِ | اللُّــغَــوِيّــــ
اللَّهُمَّ ارْفَعِ البَلَاءَ عَنْ غَزَّةَ 🇵🇸 🤲🏻

اللُّــغَــوِيّــــ

((إنَّ التأليف على سبعةِ أقسام، لا يؤلِّف عالمٌ عاقلٌ إلا فيها -وذكر منها-: ٠٠٠أو شيء متفرّق يجمعه، أو شيء مختلط يُرتبه)) متابعة وتواصل: 📢 تيليجرام 📺 يوتيوب 🐦 إكس (تويتر) ✉️ البريد الإلكتروني



الرقص مع ADHD: مذكرات فوضى وإبداع

العيش مع اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (المشخص ذاتيًا) يشبه غالبًا الوقوع في دوامة من الأفكار والعواطف — رقصة مرهقة نادرًا ما أكون فيها القائد. كل يوم هو فصل جديد في هذه السردية الفوضوية، وأجد نفسي متوافقًا مع كل الأعراض المذكورة في الكتب.

خذ مثلاً ميلي إلى الغوص فجأة في مواضيع جانبية. لا أستطيع أن أحصي عدد المرات التي بدأت فيها مهمة بسيطة، ثم نسيتها تمامًا وأنا ألاحق فكرة غير مرتبطة. ذاكرتي طويلة المدى ضعيفة، والمشتتات كثيرة. كأن عقلي لديه مئة نافذة مفتوحة في نفس الوقت، كل منها يصرخ طالبًا الانتباه. بعد ساعات من التفكير والتخطيط، أجد نفسي منهكًا جسديًا وعقليًا — منهكًا تحت وطأة أفكاري نفسها.

ثم هناك البحث الدائم عن الإثارة، عن الدوبامين، عن أي شيء يحافظ على الشغف. الالتزام بشيء واحد لأكثر من 30 دقيقة يشبه تسلق جبل. التمارين الرياضية تساعد، فهي تهدئ العاصفة في رأسي، لكن الهدوء مؤقت. عندما تضربني حماسة فكرة جديدة، تكون كالعاصفة الرعدية: مثيرة، ساحقة، وغالبًا ما تترك وراءها صداعًا.

حياتي سلسلة من المشاريع التي لم تبدأ وشغف لم يستكشف بالكامل. أنتج الأفكار بسرعة جنونية، لكن التنفيذ؟ هنا ينهار كل شيء. بدلاً من ذلك، أخطط وأخطط وأخطط — خطط مرسومة على الرمال، تُغسل قبل أن تتشكل.


أصوات في الدوامة

على مر السنين، أصبح الأشخاص في حياتي جزءًا من هذه السردية، كل منهم يقدم وجهة نظره حول طبيعتي المضطربة.

قال كريم عبد الحليم مرة: “لا يمكنك أن تبدأ فكرة جديدة كل خمس دقائق.” لم يكن يعلم أن الالتزام بشيء واحد يشبه محاولة الإمساك بالدخان.

أحمد طير غالبًا ما يكون منبهرًا بحماسي: “المدهش هو الحماس في صوتك عندما تتحدث عن فكرة جديدة — فكرة سبق أن أخبرتني عنها بنفس الحماس، وكأنها المرة الأولى.”

أمي أيضًا لديها جملتها المفضلة: “ألا تستطيع الجلوس بهدوء؟!” لكن كيف تشرح لشخص أن الجلوس بلا حراك يشبه الحكة؟

حتى المعارف العابرون يلاحظون طاقتي. سألني أرميا مرة: “هل أنت دائمًا في عجلة من أمرك؟!” نعم، أرميا، أنا كذلك. ليس لأنني بحاجة إلى أن أكون في مكان ما، ولكن لأن عقلي يطلب ذلك.

خلال اجتماع، لاحظت رحاب وأنا أمزق ورقة حمام إلى قطع صغيرة بعصبية. قالت: “كنت تهز رجلك وتمزق تلك الورقة طوال الوقت.” لم يكن ذلك عصبية، بل كان جسدي يعكس الفوضى في عقلي.

ولا ننسى موقف السيارات. لطالما كنت متناقضًا بين القلق والاستعداد، ولا شيء يعكس هذا أكثر من عادتي في الوصول مبكرًا جدًا للأماكن — مثل ست ساعات مبكرًا. قال عبد الرحمن صالح مازحًا: “طارق ينزل قبل المحاضرة بست ساعات فقط ليجد موقف سيارات. ثم يركن سيارته قبل ساعتين من بدء المحاضرة حتى يشعر بالهدوء.”

إنه أمر سخيف عندما تفكر فيه. من يحتاج إلى ست ساعات لإيجاد موقف سيارات؟ لكن بالنسبة لي، الفوضى في رأسي تتطلب نظامًا خارجيًا. إذا استطعت التحكم في موقف السيارات، ربما — فقط ربما — أستطيع بدء اليوم وأنا أشعر بضغط أقل. بالطبع، المفارقة هي أن هذا الهوس بالهدوء غالبًا ما يتركني أشعر بكل شيء إلا الهدوء.

بحلول وقت بدء المحاضرة، طاقتي العقلية تكون قد استنفدت بالفعل. مررت بأسوأ السيناريوهات في رأسي، وحضرت خططًا بديلة، وفحصت كل تفصيل في موقف السيارات كقائد معركة. الأمر ليس منطقيًا — بل هو محاولة لخلق جيوب من التحكم في عقل لا يشعر بأي تحكم.

وهكذا، بينما يصل الآخرون في الوقت المحدد، يدخلون القاعة بهدوء وبيدهم قهوة، أجلس أنا منهكًا، مركونًا وجاهزًا، متسائلاً إذا كان هذا ما يجب أن يشعر به الهدوء.


ثمن الحركة الدائمة

هذه الطاقة التي لا تعرف الكلل ليست دون عواقب. مسيرتي المهنية يمكن أن تكون دراسة حالة في عدم القدرة على التنبؤ. أبو صافي يلخصها بشكل أفضل، قال شيئًا مثل: “طارق شخص غريب وفوضوي — تخرج من هندسة ميكانيكية، أصبح مصمم جرافيك، والآن يعمل في شركة طاقة شمسية كمطور أعمال!”

غيرت مساري المهني أكثر مما أود الاعتراف به — أحيانًا مرتين في الأسبوع، وأحيانًا مرتين في اليوم. هذا ليس مبالغة، بل هي طريقة عمل عقلي. لحظةً أنا مقتنع أنني وجدت هدفي في الحياة، وفي اللحظة التالية، ألاحق إلهامًا عابرًا آخر.

الصبر، كما يقولون لي، هو العلاج. زينة تتوسل: “يا ريت عندك صبر شوية!”. وزهران، مندهشًا من استعجالي، صاح: “يا إلهي، خد بالك! هاتوقع العقد — أنت مستعجل جدًا!”


نعمة فوضوية

ذات مرة في مركز تجاري، اضطررت إلى خدش ورقة ربما أفوز بها بجائزة من الأجهزة. قال البائع مازحًا وهو يعطيني ورقة للخدش: “ربما أسمح لك بخدشي إذا كان هذا سيعطيك بعض الصبر!”

الكتابة في الحركة

وأنا أجلس هنا أكتب هذا المنشور، أصحح الأخطاء النحوية، وأحسن العبارات بمساعدة ChatGPT، لا أستطيع التوقف عن هز رجلي. كأن جسدي لا يتحمل السكون، يحتاج إلى مواكبة الإيقاع اللامتناهي لأفكاري.

بين الحين والآخر، أجد نفسي أغطي عينًا واحدة، تاركًا الأخرى نصف مفتوحة، وأحدق لأقرأ ما أكتب.

الأفعوان اليومي

بحلول الواحدة ظهرًا، طاقتي تنفد. اندفاع الصباح من الإنتاجية والأفكار يتركني منهكًا تمامًا، كإسفنجة مُعصورة. أتشوق للهروب، والملجأ المتكرر هو النوم. في هذه المرحلة، المكالمات الهاتفية مستحيلة، والرد على أي شيء عند الطلب يشبه رفع الأثقال. إذا مر الصباح دون إنجاز أي شيء، ينزلق بقية اليوم في حفرة من لوم الذات والندم. ألوم نفسي لعدم التزامي بمهمة واحدة، لفشلي في تحقيق حتى انتصار صغير.

عند حلول الليل، حوالي العاشرة مساءً، يكون الإرهاق كاملاً — عقليًا، جسديًا، عاطفيًا. أجلس هناك، أشعر بانفصال تام عن الشغف الذي يدفعني عادةً. في تلك اللحظات، أحلم بحياة أبسط، بعمل صغير ومباشر يحافظ على سلامتي العقلية. إنه شعور عابر قريب من الزهد — انفصال عن شغف كنت أعتز به ذات يوم.

لكن ثم يأتي الصباح. تتدفق طاقة جديدة تعطيني الحياة، ومعها، يعود شغفي إلى الحياة كما لو كان في سبات. كالنمل يخرج من جحوره بعد المطر — لا يمكن إيقافه، ساحق. أنا منفعل بفكرة تعلم مهارات جديدة، والغوص في مشاريعي، ومطاردة الأحلام.

لكن، كما تأتي الطاقة بسرعة، تقودني مباشرة إلى الجحر المألوف. أفتح حاسوبي، أعتزم البدء، لكن ينتهي بي الأمر ضائعًا في متاهة من المشتتات. حين أخرج، يكون اليوم قد انزلق بالفعل من بين يدي.

وأنا أكتب هذا، يشعر عقلي بثقل، كأنه يحمل وزن سحابة ضبابية. هناك ضغط، ألم خفيف، والأفكار عالقة في زحام مروري. أتوقف لأعترف بما يقوله جسدي: أحتاج إلى سكر. من الغريب كيف أن شيئًا بهذه البساطة يمكن أن يشعر وكأنه الحل لهذه اللحظة من الفوضى.